Translate

الخميس، 21 أغسطس 2014

الثقوب البيضاء..!



لعقود طويلة، كان علماء الفيزياء الكونية حائرون فيما اذا كانت الثقوب السوداء تدمر المعلومات التي تبتلعها ام لا، أي فيما اذا كانت المواد التي يبتلعها تختفي  بشكل نهائي الى الابد! لكن  هناك الان نموذج جديد يقول بأنه في نهاية حياة الثقوب السوداء فإنها تتحول الى "ثقوب بيضاء" أي انها تنفجر وتنفث كل المواد التي ابتلعتها منذ تكونها الى الفضاء.

وحسب النموذج الجديد، الذي طوره كل من كارلو روفيللي (Carlo Rovelli) وهال هاغارد (Hal Haggard) من جامعة ايكس مارسيليا (Aix-Marseille University) في فرنسا، فان التحول من الثقوب السوداء الى الثقوب البيضاء يبدأ مباشرة بعد بدئ تشكل الثقب الأسود، ويعتمد نموذجهم على نظرية تدعى "الجاذبية المية الحلقية" (loop quantum gravity) حيث تكمم الجاذبية والزمكان (زمان-مكان)، ويتم نسجها من حلقات منفردة صغيرة جدا لا يمكن تجزئتها الى حلقات اصغر ابدا.

وعندما ينهار النجم تحت وطأة جاذبيته (ويتحول الى ثقب اسود) فانه يحاط بحد يسمى "افق الحدث"، وهي نقطة اللا عودة، حيث لا شي يمكن ان يفلت من هناك، ويتابع النجم انكماشه، ولكنه يصل الى مرحلة لا يمكنه ان يتقلص اكثر  لان الحلقات لا يمكن ان تنضغط اكثر من ذلك.

وفي هذه النقطة، تقوم هذه الحلقات بالضغط الى الخارج ويسمى هذا الضغط "الارتداد الكوانتي/الكمي" حيث يقوم بتحويل الثقب الاسود الى ثقب أبيض، وحسب التقديرات التقريبية  التي قام بها الفريق، فان هذا التحول من ثقب اسود الى ثقب ابيض يأخذ جزء من الالف من الثانية فقط! وبالرغم من ان هذه التحول يكون لحظيا إلا ان الباحثون يقولون بان الثقوب السوداء تبقى ظاهرة لنا لملايين او مليارات السنين لان جاذبيتها تمغط وتمدد موجات الضوء.

واذا كان هذا هو الحال، فبدل ان يغلف الثقب الاسود بأفق حدث حقيقي خارجي، فان الثقب الاسود يحجب بواسطة "افق ظاهري" مؤقت. حيث ان افق الحدث الحقيقي قد يتعارض مع قوانين الفيزياء العروفة.

في بداية السبعينيات، قام عالم الفيزياء الشهير ستيفين هوكينج (Stephen Hawking) من جامعة كامبرج بحسابات تشير الى ان الثقب الاسود يجب ان يبث اشعاعات خارج افق الحدث الخاص به، حيث يفقد طاقته وينكمش تدريجيا الى ان يتلاشى نهائيا، لكن هذا يعني ان المعلومات المحملة في المادة والتي تسقط في الثقب الاسود تختفي للأبد، حيث انه ليس هناك هرب من القب الاسود في النظرية الكلاسيكية، لكن النظرية الكوانتية (quantum theory) الحديثة تسمح للطاقة والمعلومات من الهرب كما عبر عن ذلك هوكينج، أي ان هوكينج الان ينفي وجود افق الحدث للثقب الاسود كما كان الفيزيائيون يعتقدون لعشرات السنين.

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

ماذا يوجد في مراكز الثقوب السوداء؟


تنتج الثقوب السوداء من انهيار النجوم العملاقة، فهي عبارة عن "آبار" تخترق نسيج الكون في الزمكان (space-time) وهي عميقة لدرجة ان لا شيء، حتى الضوء، يمكن ان يفلت منها. فالثقب الاسود عبارة عن نجم كبير ميت، انهار بسبب نفاذ الطاقة/الوقود الذي يغذي التفاعلات النووية فيه. والذي يحدث هو ان الذرة تنهار على نفسها فتلغي كل الفراغ فيها لتصبح مادة خالصة، ولأن %99.9999… من الذرة عبارة عن فراغ يصبح الحجم صغير جدا مع الحفاظ على نفس الكتلة، يمكنك تخيل طابة تنس ولكن وزنها كوزن الكرة الأرضية!)

أما مركز الثقب الاسود فيطلق عليه الفيزيائيون "قلب الحدث" (singularity) وهي نقطة بحيّز صغير بشكل لا نهائي تتركز فيها كمية هائلة جدا من الطاقة. ونظريا، تصبح هذه النقطة شيئا كبيرا بشكل شبه لانهائي. وتقنيا، هذا "الشيء" هو عبارة عن انحناء الفضاء، او اشتداد الجاذبية الذي يلاحظه العلماء عند وجود كتل عملاقة جدا كالكواكب والنجوم. (يقسم العلماء الثقب الاسود الى جزئين: افق الحدث (event horizon) وقلب الحدث، حيث ان اي شيء يمر في افق الحدث يتم سحبه الى قلب الحدث حيث يسحق هناك تماما)


وتماما كما تنغمس صفيحة مشدودة من المطاط عند وضع كرة حديدة عليها، فان الاجرام العملاقة تسبب انحناء في الزمكان حولها. وكلما كان حجم الجرم اكبر كان الانحناء اكثر حدة. ( أول من صاغ هذه النظرية نظريا هو أينشتاين، وحسب النظرية النسبية العامة فإن الجاذبية تقوس الفضاء الذي يسير فيه الضوء بشكل مستقيم، مما يعني أن الضوء يتأثر وينحرف تحت تأثير الجاذبية، أما الثقب الأسود فإنه يقوس الفضاء إلى حد انه يمتص الضوء الذي يمر بجانبه بفعل جاذبيته، ولا يمكن لأي موجة أو جسيم الافلات من منطقة تأثيره فيبدو أسود، لذلك تبدو الثقوب السوداء عبارة عن حفرة مظلمة في منطقة ما من المكان والزمان وهي ذو كثافة عظيمة وتأثير جذبي هائل)

ولا يوجد مكان اكثر تأثيرا لعمل انحناء اكثر من الثقوب السوداء، حيث ان مراكز الثقوب السوداء تشكل منحنى انحنائي لانهائي. شيء يشبه ثقب|هاوية بلا قاع في صفيحة مطاط، بحيث تصبح القوة اكبر واكبر كلما غاصت الاجسام في عمق الثقب|الهاوية.

فالجزيئات والمواد تنضغط حول المركز، ولأن المادة تنهار داخل الثقب الأسود، تصبح كثافتها كبيرة بشكل لانهائي لأنها يجب ان تتموضع داخل نقطة حجمها صغير جدا لدرجة انه ليس لها ابعاد.


ولكن بعض العلماء مازالوا يتجادلون حول ما اذا كانت المعادلات النظرية التي تصف الثقوب السوداء صحيحة ام لا، بمعنى فيما اذا كانت موجودة في الواقع ام لا، وليس فقط بشكل نظري.
لا احد يمكنه ان يتأكد فيما اذا كانت نقطة قلب الحدث لا تعبر عن حقيقة واقعية فعلا، بالرغم من ان معظم العلماء سيقولون بان نقطة قلب الحدث كما يعبر عنها من خلال المعادلات غير موجودة فعليا. ولكن لو ان نقطة التفرد موجودة فعليا، فان كثافة      الطاقة  فيها ستكون كبيرة بشكل لا نهائي، وستكون هي نفسها مركز الثقب الاسود.

في جميع الأحوال، لا احد يمكنه ان اكد او ينفي ذلك، بسبب عدم وجود نظرية كوانتية للجاذبية مكتملة حتى الآن، وفي نفس الوقت يستحيل تقنيا ملاحظة او مشاهدة داخل الثقب الاسود.

 

الجمعة، 8 أغسطس 2014

لماذا نحب رائحة أول المطر؟

سمعت مرة احد الشعراء يقول (اعتقد انه الشاعر اللبناني عباس بيضون) : "ان  كل علماء الارض لن يستطيعوا تفسير رائحة اول المطر"، لكن يبدو ان بيضون كان مخطئا!

 
 
في الحقيقة، يعتقد بعض العلماء ان الناس قد ورثوا حبهم لرائحة المطر عن اسلافهم الذين كانوا يعتمدون على مياه الامطار من اجل بقائهم. لكن هل يجعل هذا رائحة المطر جميلة؟!

في الحقيقة ان هناك العديد من الروائح الجميلة التي يستمتع فيها الناس عندما تمطر الدنيا ولكن سببها تفاعلات كيماوية:
احد هذه الروائح يعرف ب"بِترِكور"  (petrichor)  وهي الرائحة التي تنتشر عندما يهبط المطر على ارض جافة بعد انقطاع للمطر زمن طويل، مثل اول امطار فصل الشتاء التي تبدا عادة في الخريف. وتعود تسمية بتركور الى العام 1964 لعالمين استراليين درسا رائحة الطقس الرطب، حيث ان التسمية مشتقة من زوج من التفاعلات الكيميائية.
بعض النباتات تفرز زيوت خلال الفترات الجافة، وعندما تمطر تنتشر هذه الزيوت في الهواء، والتفاعل الثاني الذي بنتج البتركور يحدث من الكيماويات الناتجة عن البكتيريا التي تعيش في التربة، والتي تعرف باسم آكتنومايسيتس (actinomycetes) (او الفطريات الشعاعية) والتي تنتشر في الجو بعد المطر. وهذه المركبات العطرية (aromatic compounds) تجتمع لتخلق الرائحة الزكية المبهجة للبتركور عندما ترتطم حبات المطر بالأرض.
وهناك رائحة زكية اخرى مرتبطة بالمطر وهي الأوزون، فخلال العواصف الرعدية يمكن للبرق ان يفكك جزيئات الاوكسجين والنيتروجين الموجودة في الجو، حيث يمكن لهذه الجزيئات ان تعيد الالتحام لتشكل اوكسيد النيتريك (nitric oxide)، حيث تتفاعل هذه المادة مع مواد كيماوية اخرى في الجو لتشكل غاز الأوزون، والذي يمتلك رائحة قوية  جدا تذكرنا نوعا ما برائحة الكلور.
 
وعندما يقول احدهم انه يشتم رائحة مطر في الجو قبل ان تمطر، بمعنى ان المطر قادم، فهذا
 قد يكون بسبب ان الرياح القادمة من عاصفة ماطرة على مسافة قريبة قد حملت معها الاوزون اليه.
 

الجمعة، 1 أغسطس 2014

ما وراء الكون المنظور (Beyond the Observable Universe)


ماذا يوجد خلف الكون؟!

(اذا ركبت سيارتك متجها نحو اقرب نجم الى الأرض (Proxima Centauri) 4 سنوات ضوئية تقريبا، وكنت تسير بسرعة 100كم/ساعة فانك ستحتاج الى 150 مليون سنة لكي تصل، تقريبا!)

(يروى ان رجلا سأل ابن عباس عن تفسير اية " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن"  الطلاق، 12)، فأجاب ابن عباس قائلا: ما يؤمنك إن أخبرتك بها فتكفر؟! ويروى انه قال في تفسيرها: سبع أرضين ، في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم  كإبراهيم، وعيسى كعيسى)
 
 
ان كل ما نعرفه حاليا عن الكون، عمره وحجمه وعدد المجرات فيه، وكل ما جمعه لنا "هابل" هو ما يعرف بالكون المنظور (observable universe)، تقديرات من 100-200 مليار مجرة، وكل مجرة تحوي على مئات مليارات النجوم...! حيث ان سرعة الضوء هي التي تحدد لنا ما نعرفه، حيث اننا لا يمكن ان نعرف عن وجود أي جسم في الكون إلا عندما يصلنا الضوء المنبعث منه، ولا يمكننا ان نرى ابعد من المسافة القصوى التي قطعها الضوء منذ بزوغ الكون (الانفجار الكبير)، وبما  ان الكون المنظور نفسه يتوسع (حسب بعض النظريات الحديثة قد يكون الكون يتوسع اسرع من سرعة الضوء، جائزة نوبل للفيزياء 2011) والمجرات تتباعد بسرعة هائلة، فلا يمكن أي شي دقيق عن حجم الكون، ولا ماذا يوجد بعده.
على أي حال، وبعيدا عن التأملات الذاتية، ماذ يقول العلم حول ماهية الوجود خلف حدود الكون المنظور، وان كان العلم في هذا المجال تحديدا لا يخلو من الكثير من الخيال؟!
خمس نظريات حول ماذا يوجد خلف الكون:
 
1-      ما وراء "كون هابل" (Beyond the Hubble Volume):
يشار احيانا الى الكون المنظور ب"كون هابل" نسبة الى تيليسكوب هابل الذي بفضله تم اكتشاف ابعد حدود في الكون، وتقول النظرية ببساطة بان الكون لا نهائي، ويحوي نفس العناصر (مجرات، طاقة، ثقوب سوداء...الخ) التي يحويها الكون المنظور وموزعة بطريقة مماثلة، لكن تضمينات هذه النظرية تحتوي على شيء عجيب (نظرية الاحتمالات ف المالانهاية)، فالاحتمالات في المالانهاية تعني، وفي هذه الحالة، انه بكل تاكيد اهناك كوكب في مكان ما في الكون، هو نسخة طبق الاصل عن الأرض بل ان هناك شخص نسخة طبق الاصل عن كل انسان يعيش على الأرض ونفس التاريخ ونفس المدن، ونفس اللغة، والأسماء، و.....
 
2-      التدفق المعتم (dark Flow):
في عام 2008 اكتشف علماء الفضاء شيء غريب ومحير، وهو ان تجمعات المجرات تسير بسرعة ضخمة جدا (اكثر من 2 مليون ميل في الساعة، وتسير بنفس الاتجاه، وفي عام 2010 تم تاكيد هذه الظاهرة، وتشكل هذه الظاهرة تحديا لكل التوقعات حول توزيع الكتلة داخل الكون المنظور بعد الانفجار الكبير، و احد التفسيرات لهذه الظاهرة هو ان هناك تشكلات عملاقة خارج الكون المنظور تمارس تاثيراتها الجاذبية على مجرات الكون المنظور، وهذا قد يعني ان هناك لانهاية خارج الكون المنظور قد تحوي على مادة وطاقة لا يمكن للعقل تصورها وهي موزة بشكل غير منتظم.

 

3-      الفقاعات اللانهائية (Infinite Bubbles):
مع ان الحديث عن اكوان اخرى غير الكون الذي نعرفه قد يكون خادعا، فهو نفس الكون او كون واحد تشكل منذ الانفجار الكبير، لكننا ببساطة غير قادرين على رؤية ماذا بعد اللكون المنظور، على أي حال تطرح هذه النظرية ان الانفجار الكبير نتج عنه فقاعات، وكل فقاعة هي كون بحد ذاته ولها قوانينها الفيزيائية الخاصة، وحسب هذا السيناريو، فان الكون لا نهائي، وكل فقاعة هي بحد ذاتها لا نهائية (حسب الرياضايات يمكن حشو عدد لانهائي من اللانهايات داخل لانهاية واحدة! وهنا يكون الكون عبارة عن اكوان لانهائية داخل كون لا نهائي!
4-      تفريخ الثقوب السوداء (Black Hole Spawning):
اقترح هذه النظرية الفيزيائي لي سمولين، وتعرف بنظرية "الكون المتكاثر"، وهو يقترح ان كل ثقب اسود يولد كون جديد، بخصائص تختلف قليلا عن الكون الاساس الذي تشكل منه، بعملية فيها نوع من "الانتخاب الطبيعي" حيث ان الاكوان التي لم تتشكل فيها ثقوب سوداء تموت في النهاية. (هذه النظرية تم استبعادها )
 

5-      الاكوان المتوازية ( Parallel Universes):
ربما تكون هذه اكثر النظريات جدية في الدراسة، وحقيقة يصعب جدا البحث في الاسس الفيزيائية والرياضية التي تعتمد عليها هذه النظرية، حيث تتطلب مراجعة شاملة لحقل فيزياء الكوانتم، والنظريات المتعددة لنظرية الخيوط "strings theory" ول"superstrings theory" وال"supergravity"، وال"M theory"، والبعد العاشر والحادي عشر للكون، ونظرية الاغشية "membranes"،...
فمن النتائج المذهلة لهذا الحقل هو امكانية تواجد المادة (ما دون الذرية) في حالتين مختلفتين في نفس اللحظة، بل امكانية تواجد نفس الجسيم في مكانين مختلفين في نفس اللحظة!
ولكن مختصر افتراضات هذا المجال حول الاكوان المتوازية هو ان المادة في الكون تتشكل اصلا من اغشية متذبذبة لا سمك لها ولها طولا لانهائي (وتماما كآلات الموسيقية الوترية حيث كل ذبذبة مختلفة تعطي نوته موسيقية مختلفة). حيث ان ذبذبة هذه الاغشية في "البعد الحادي عشر" تشكل كل الاكوان الممكنة، وعندما ترتطم هذه الذبذبات بعضا ببعض تشكل كونا جديدا، احد مؤشرات على صحة هذه النظرية ان قوى الجاذبية في الكون المنظور ضعيفة جدا مقارنة مع القوى الاخرى في الكون، وهذا يعني ان الجاذبية في كوننا متسربة الينا من اكوان اخرى! وقد يكون عدد الاكوان الموازية لا نهائية حسب هذه النظرية، وكذلك امكانية وجود نسخة عن كوننا، ونسخة عن أرضنا ونسخة عن تاريخنا، تاريخ في كون اخر حدثت فيه الحرب العالمية الثانية لكن انتصر فيها الالمان بدل الحلفاء....