Translate

السبت، 29 نوفمبر 2014

كيف بدأت الحياة على الأرض..؟!


يقدر عمر الأرض بــ4.5 مليار سنة، (ويقدر عمر الكون منذ الانفجار الكبير بـ 13.8 سنة، أي انه قد مر على الكون ما يقارب 9.3 مليار سنة قبل ان تبدأ الأرض بالتشكل، ومر ما يقارب مليار سنة على الأرض قبل ان تبدأ الحياة بالظهور عليها!) ويعتقد العلماء بان الحياة بدأت بالظهور في اللحظة التي أصبحت فيها بيئة الأرض مستقرة بشكل كاف لتدعم الحياة.

واقدم دليل لوجود الحياة على الأرض يعود الى مستحثات من البكتيريا الزرقاء (cyanobacteria) تعرف ب"ستروماتوليتس" (stromatolites) تم العثور عليها في استراليا ويعو تاريخها الى 3.5 مليار سنة. وهذه البكتيريا، التي ما زالت موجودة حتى أيامنا هذه ، تعتبر معقدة بيولوجيا، حيث ان لها جدار خلية يحمي الـDNA المصنع للبروتين، لذلك يعتقد العلماء ان الحياة بان الحياة يجب ان تكون قد بدأت قبل ذلك بكثير، ربما حوالي الـ3.8 مليار سنة.

وبالرغم من المعرفة التقريبية لزمن بداية الحياة على الأرض، الا ان سؤال "كيف بدأت الحياة" ما زال بعيد المنال بالنسبة للعلماء.

هناك العديد من النظريات حول أصل الحياة على الأرض (او كيف بدأت الحياة على الأرض)، ولكنه لم يتم اثبات او نفي أي من هذه النظريات، لذلك مازال لا يوجد هناك أي نظرية مقبولة بالمطلق. والاجابة على هذه القضية لن تحل أكبر الغاز الوجود فقط، ولكنها أيضا قد تكشف عن مصادر أخرى للحياة خارج الأرض.

وهناك توجهان اساسيان من الافكار حول اصل النشوء وفي داخل كل توجع هناك العديد من النظريات: التوجه الاول يقترح ان الحياة (المركبات العضوية) اصلها من مكان اخر في الفضاء (أي من خارج الارض)، بينما يقترح التوجه الثاني ان الحياة نشأت من الارض نفسها. وفيما يلي نستعرض اهم نظريات حول اصل نشوء الحياة على الارض:
 
 نظرية التبذر الشامل او "البانسبيرميا" (Panspermia):

(البانسبيرميا من اللاتينية: بان: تعني جميع، وسبيرميا: تعني بذور) وهي نظرية تقول بان بذور الحياة موجودة ومنتشرة في جميع ارجاء الكون، وتنتقل من خلال النيازك والكويكبات، وهي تفترض ان هذه الاشكال من الحياة يمكنها تحمل الظروف القاسية في الفضاء، كمثال بعض انواع البكتيريا، حيث تلتصق هذه البكتيريا في الحطام الذي ينتشر في الفضاء بعد الاصطدام بين الكواكب التي تحوي الحياة، وكذلك على الاجسام الصغيرة الموجودة في المجوعة الشمسية. وهذه البكتيريا يمكن ان تسافر لوقت طويل وهي في حالة سبات قبل ان تلتحم عشوائيا بأحد الكواكب، او قد تختلط مع كواكب اخرى في طور التشكل. وفي حال التقت هذه البكتيريا مع ظروف مثالية هلى سطح كوكب ما، تصبح هذه البكتيريا فاعلة وتبدأ عملية التطور في الاشتغال.
بعض الفحوصات الحديثة داخل المذنبات تشير انه من المرجح جدا ان الحياة بدأت في الفضاء حسب بحث نشره علماء من جامعة كارديف (Cardiff) (http://www.sciencedaily.com/releases/2007/08/070814093819.htm
 
(لكن يبرز هنا تساؤل: ان كانت الحياة اصلها من خارج الارض، فكيف نشات هذه الحياة خارج الأرض؟!)
 
نظرية التوالد التلقائي (Biopoesis):
في العلوم الطبيعية، التولد التلقائي هو دراسة كيفية بزوغ الحياة البيولوجية من مادة غير عضوية من خلال عمليات طبيعية، والطريقة التي من خلالها نشأت الحياة على الارض بهذه الطرييقة. معظم الاحماض الأمينية (amino acids )(اللبنات الاساسية للحياة) يمكنها التولد من خلال تفاعلات كيميائية طبيعية غير متصلة بالحياة كمثال تجربة ميللر-يوري (Miller–Urey experiment) (هي إحدى التجارب التي تحاكي الشروط الافتراضية التي وجدت في بدايات الارض للتحقق من حصول التطور الكيميائي. تحاول التجربة بشكل أساسي اختبار فرضية اوبارين وهالدان بأن شروط الأرض البدئية هي التي اعطت الأفضلية للتفاعلات الكيميائية التي أدت لتخليق المركبات العضوية من مركبات غيرعضوية. تعتبر هذه التجربة إحدى التجارب الكلاسيكية الأساسية في دراسة أصل الحياة، أجريت في عام 1953 من قبل ميلر وهارولد سي. يوري في جامعة شيكاغو )، بالاضافة الى تجارب مشابهة في المختبر تحاكي بعض الظروف التي كانت موجودة في بدايات تشكل الارض. هذه الاحماض الأمينية منظمة على شكل بروتينات في جميع الكائنات الحية، ويتم بناؤها بوساطة الاحماض النووية التي هي نفسها مصنعة من خلال مسارات بيوكيميائية بتحفيز من البروتينات. والتولد الذاتي يدرس أي من هذه الجزيئات العضوية نشأ اولا وشكل اول اشكال الحياة على الارض.
 
مبدأ "نشوء الكون" (Cosmogony):
 
هي اي نظرية  تهتم ببزوغ الوجود او اصل الكون، او كيفية وجود واقع من العدم. وفي السياق المتخصص بعلم الفضاء والفلك، يشير المصطلح/المبدأ الى دراسة وتشكل النظام الشمسي. والمحاولات لخلق مبدأ واقعي/طبيعي لدراسة نشاة الكون خاضعة  لنوعين من المحددات: الاول يخص فلسفة العلم والمحددات الابستملوجية للعلم نفسه، وخصوصا فيما اذا كان العلم يمكنه ان يسأل اسئلة من نوع "لماذا" وجد الكون! وإشكالية عملية اخرى هي عدم وجود نموذج فيزيائي يمكنه تفسير اللحظات الاولى في وجود الكون بسبب عدم وجود نظرية قابلة للفحص في الجاذبية الكمية/الكوانتية (quantum)، بالرغم من ان الباحثين والمنظرين لنظرية الخيوط (string theory) يعتقدون انهم يملكون صيغة المعادلات لوصفها.

 التعايش الجواني (Endosymbiosis):

وهي نظرية اول ما تم بلورتها على يد عالم النبات الروسي كنسطنطين ميرشكوفسكي (Konstantin Mereschkowski) عالم 1905. وحسب هذه النظرية فان بعض العضيات الخلوية (organelles )(إحدى البنى المتعددة ذات الوظائف المتخصصة المنتشرة ضمن تركيب الخلية) نشأت كبكتيريا حرة اخذت داخل خلية اخرى كمتعايشة جوانية. فالميتوكوندريا مثلا نشات من المتقلبات او البروتوباكتيريا (proteobacteria) (هي مجموعة رئيسية من البكتيريا وهي تشمل مجموعة واسعة من العوامل الممرضة، والبعض الآخر تعيش حرة وتشمل العديد من البكتيريا المسؤولة عن تثبيت النيتروجين). وتقترح النظرية ان اشكال متعددة من البكتيريا دخلت في علاقة تكافلية (symbiotic) لتشكل الخلية حقيقية النواة (eukaryotic cell)، فالنقل الافقي للمادة الجينية بين البكتيريا يشجع هذه العللاقة التكافلية، ولذلك فكائنات حية كثيرة منفصلة قد تكون ساهمت في بناء ما يمكن اعتباره الجد العالمي الاخير المشترك للكائنات الحية الحديثة.

التوالد التلقائي (Spontaneous Generation):

 
   بقى الناس حتى بدايات القرن التاسع عشر يعتقدون بفكرة التوالد التلقائي المستمر لأنواع معينة من الحياة من مواد غير حية. علىسبيل المثال: ان شكل معين من الحياة يكون مشتق من شكل اخر مختلف (مثلا ان النحل مشتق من الزهور)فالتصور الكلاسيكي للتوالد التلقائي يرى ان بعض اشكال الحياة المعقدة تتوالد من تحلل المواد العضوية.

 فأرسطو مثلا كان يعتقد انه يمكن الملاحظة بسهولة ان المن ينشا من الندى، والذباب من المواد العفنة، والفئران من القش القذر، والتماسيح من الجذوع المتعفنة ..وهكذا. لكن التوالد الذاتي من مادة غير حية بالنسبة لأصل الحياة تعتبر نظرية غير صحيحة حاليا. طبعا تم تكوير هذه النظرية من قبل ارسطو قبل اكثر من الفي عام وبقيت لعقود طويلة مقبولة الى ان دحضها لويس باستر (Louis Pasteur) في القرن التاسع عشر. ولكن مع ذلك فان سؤال في ما اذا كانت الحياة في اصلها نشأت من مادة غير حية يبقى سؤال مطروح حتى اليوم.
 
 نظرية الصلصال (Clay Theory):
 
 
تم تطوير نظرية الصلصال  لبحث اصل الحياة  من قبل غراهام كيرن-سميث  (Graham Cairns-Smith) من جامعة غلاسكو سنة 1985 وقد تم استخدامه كنموذج توضيحي من قبل علماء اخرين (بمن فيهم ريتشارد دوكنز).
 
وملخص هذه النظرية: ان الصلصال يتشكل طبيعيا من السيليكات (silicate) الذائبة او في محلول. وكريستالات السيليكات، كغيرها من الكريستال، تحافظ على شكل نسقها الخارجي بينما تنمو،  او عندما تنقطع عن النمو. وكتل الكريستالات ذات شكل خارجي معين ربما يمكنها ان تؤثر في بيئتها الخارجية بطريقة يمكن ان تؤثر في حظوظها في تكرار/نسخ ذاتها. فعلى سبيل المثال، فكريستالات الصلصال ذات اللزوجة العالية هي اكثر احتمالا لتكوين طمي في قاع المجرى المائي، خالقة بذلك نوع من بيئة مساعدة على المزيد من  الترسب. ويمكن تصور ان هذه التأثيرات يمكنها ان توسع من تشكيل مساحات مسطحة معرضة للهواء، حيث تجف وتتحول الى غبار تنقله الرياح، بحيث يمكن ان يسقط هذا الغبار بشكل عشوائي في مجاري جديدة، وهكذا يمكن ان تتشكل عملية فيزيائية غير عضوية وبيئة للانتخاب الطبيعي لإنتاج جديد لكريستالات الصلصال ذات الشكل اللزج.
وبعدها تحدث عملية انتحاب طبيعي لكريستالات الصلصال التي تحتجز اشكال معينة من الجزيئات على سطحها (تلك التي تزيد من امكانية تكرارها). وهنا يمكن لنموذج جزيئات عضوية أولىة (prototype)، معقدة نوعا ما، ان تحفز من خلال خصائص سطح السيليكات (silicate). وتحدث الخطوة الاخيرة عندما تشكل هذه الجزيئات المعقدة استيلاء او سيطرة جينية من خلال حاملها الصلصال، حيث تصبح مكان مستقل للتكرار او التكاثر. كلحظة تطورية يمكن فهما على انها الخطوة الاولى للتطور على الارض.
 
نظرية الخلق المتعاقب (Theory of Consecutive Creations):
 
مهدت فكرة الانقراض الى نظرية الكارثية (catastrophism) أو "الخلق المتعاقب"، وهي واحدة من اسلاف نظرية التطور. وتتلخص الفكرة في ان الارض قد تأثرت في الماضي بأحداث مفاجئة عنيفة وقصيرة الحياة، وعلى الارجح عمت هذه الاحداث جميع انحاء الارض. وهذا يعني ان المشهد الحاضر هو المفتاح للماضي، وان جميع الاشياء مستمرة كما كانت منذ بداية الخلق لكن يختلف شكلها. وحسب هذه النظرية: لان كل كارثة تدمر الحياة بشكل كامل، فان كل خلق جديد يتكون من شكل من الحياة يختلف عن سابقه. والعالمان الفرنسيان جورج كوفيه (Georges Cuvier)  واوربيني (Orbigney )كانا من ابرز الداعمين لهذه النظرية. ولكن هذه النظرية لا يدعمها الكثير اليوم.

 النظرية المادية  (Materialistic Theory):
 حسب هذه النظرية، فان اصل الحياة على الارض هو نتيجة لعملية بطيئة وتدريجية من التطور الكيميائي يعود الى تطور النواة، أي التطور على مستوى DNA  وRNA والبروتينات. نشأ موضوع التطور النووي كحقل علمي في الستينيات من علماء البيولوجيا النووية. فالبيولوجيا التطورية وعلم الوراثة السكانية سعت لفهم اكتشافات حديثة في تركيب ووظائف الاحماض النووية والبروتينات. وأحد المواضيع التي حفزت تطور هذا الحقل كان تطور وظائف الانزيمات، فاستخدام تنوع الاحماض النووية كــ"ساعة جزيئية" لدراسة تنوع الاجناس، واصل الDNA غير المشفرة (هو جزء  من DNA لا تحتوي على شفرة تعمل على إنتاج بروتين(، طبعا هذه النظرية لا تخبرنا عن ما قبل تشكل النواة، أي ما الذي حدث حتى صارة هناك شيء اسمه خلية من العدم؟!

 
نظرية التطور (Evolution):

يعود تاريخ بدأ تنوع الاجناس الى  3.5 مليار سنة تقريبا، وهو تاريخ بدء الحياة على الارض نفسها، وقد حدث هذا خلال عملية بطيئة تدريجية ثابتة على مر مليارات السنين، او بشكل سريع بين حالة طويلة ساكنة لأخرى. فالتطور (يعرف ايضا بالتطور البيولوجي او العضوي) هو عملية التغير عبر الزمن في الصفات الوراثية للكائنات، فالصفات الوراثية هي خصائص مميزة تشمل الصفات التشريحية والبيوكيميائية والسلوكية، والتي تنتقل من جيل الى آخر، فالتطور ادى الى تنوع الكائنات الحيّة، وكما وصفها شارلز داروين "اشكال لا نهائية نحو الاكثر جمالا والأكثر روعة".
وتحظى نظرية التطور اليوم باهتمام بالغ وتأييد كبير، بالرغم من الفجوات الكبيرة التي ما زالت موجودة فيها وعشرات الاسئلة التي لا تملك لها جواب، لكن الاهم من ذلك ان نظرية التطور نفسها لا تملك هي الاخرى أي جواب عن كيف بدأت الحياة على الأرض أي الشرارة الاولى (الروح) التي اشعلت الحياة في الاشياء...! ولان العلم حتى هذه اللحظة لم يستطع ان يثب او ينفي كيف بدأ الخلق، أي من اين جاءت الحياة على الارض، فتبقى نظرية الخلق (أي ان الله هو الذي خلق الحياة) نظرية قائمة ايضا (طالما ان العلم الطبيعي لم يستطع ان يثبت شيء حتى الان)، فنظرية التطور تدرس الحياة بعد بدايتها وليس لديها أي جواب من اين وكيف بدأت هذه البداية...
 
 

السبت، 11 أكتوبر 2014

نهاية عصر الاكتشافات العلمية: هل نقترب من حدود نهاية المعرفة؟


 
 

The End of Discovery: Are We Approaching the Boundaries of the Knowable?


Published: September 23, 2010

 
 

 

في عام 1980، وبعد توليه منصب استاذ كرسي لوكاس للرياضيات (Lucasian professor of mathematics) في جامعة كامبرج، طرح ستيفن هوكنج السؤال التالي: "هل نهاية الفيزياء النظرية تلوح في الأفق؟"

ومع ان هذا التساؤل في حقل الفيزياء النظرية ليس بالجديد  فقد حذر الفيزيائي الشهير لورد كالفن (Lord Kelvin) في اجتماع الجمعية البريطانية  سنة 1900 من ان "موت الفيزياء وشيك"، وهناك العديد  من الفيزيائيين المرموقين الاخرون   كانوا وما زالوا يخشون من هذه المسألة.

هناك الان العديد من المؤلفات من فيزيائيين وعلماء عن مستقبل الفيزياء، وهذا المؤلف للبروفيسور راسل ستانرد (Russell Stannard)، الرئيس السابق لدائرة الفيزياء في الجامعة المفتوحة في بريطانيا، هو اضافة على هذه الجهود.

مؤلف الكتاب استاذ مختص في فيزياء الطاقة العالية و له العديد من المؤلفات حول النسبية التي تستهدف الأطفال (تبسيط العلوم)، فهو مؤهل جدا ليكتب عن الوضع الراهن  وعن المستقبل الغامض للفيزياء النظرية.

هل نحن نقترب من حدود نهاية المعرفة؟  هاذا هو السؤال الذي يطرحه  راسل ستنارد، مبينا  انه في يوم من الايام ستنتهي مرحلة الاختراقات العلمية المهمة. يقول: " ربما تعودنا على فكرة ان العلم بطبيعته يتقدم ويتطور باستمرار، مع انه لم يكن دائما كذلك. والاهم من ذلك انه لن يستمر ليكون كذلك، انها ليست عملية لانهائية، فيوما ما سيصل السعي وراء المعرفة العلمية الى نهايته، ولا نقول التطبيقات العلمية..".

وهذه النهاية لن تكون عندما نكون قد عرفنا كل شيء عن الكون، ولكن عندما نكون قد اكتشفنا الاشياء المتوافرة لدينا لاكتشافها ضمن محدودية العقل البشري في الفهم والاستيعاب، بالإضافة الى اعتبارات عملية اخرى كالحاجة الى آلات وتكنولوجيا مكلفة ومعقدة لن يمكننا صنعها، حيث ستبقى قضايا معرفية كثيرة بعيدة المنال.

 

هناك لحظات كثيرة وقف فيها العلماء عاجزين على حدود المعرفة، كمعرفة من اين جاءت قوانين الطبيعة، وسبب الانفجار الكبير، ولماذا الكون قابل للحياة على هذا الشكل، وفيما اذا كان هناك اكوان غير كوننا هذا، ولماذا كان الوجود اساسا ولم يكن العدم...؟! هذا عدا عن امثلة اخرى لا تقل تعقيدا كالطاقة السوداء والمادة السوداء، وسلوك الجسيمات ما دون الذرية. ومع ان البحث ما زال مستمرا في كافة هذه القضايا الا انع لم يسجل أي اختراق فيها، ومع ان لا احد يعرف كيف سيكون المستقبل وما الذي يمكن ان يحدث في المجال العلمي، فتاريخيا كانت كثير من القضايا العلمية في عداد المستحيلات، كمعرفة بعد النجوم عنا مثلا، لكن مع الوقت تم اكتشافها، الا ان الاسئلة التي يتحدث عنها ستانرد تبدو اكثر استعصاء على العقل البشري، بل قد تكون خارج المتناول مهما حاول الانسان ملاحقتها..

وعلى الرغم من كل هذا، فالبرويسور ستنارد لا ينوي التقليل من شان الانجازات العلمية الحالية، بينما يتحدث عن محدودية امكانياتنا في مواجهة غموض اسرار الوجود، فهو يقدم مراجعة واضحة ومحكمة للاكتشافات العلمية الحاسمة، ولكنه يعتقد ان عقولنا تطورت للتعايش مع كوكب صغير، وليس من اجل حل مسائل معقدة ما وارء التجربة الانسانية. فعقول اسلافنا تطورت لتتعامل مع قضايا يومية يمكن معاينتها في عالمها المحسوس في الاماكن التي عاشوا وتواجدوا فيها ولم تتطور لتتعامل مع اشياء خارج التجربة البشرية، او شي مثل "الجاذبية الكوانتية/الكمية".

فعقولنا يمكن ان تكون هي الاعاقة الاكبر في عملية الفهم العلمي، وكما قال العالم البيولوجي هالدين (J.B.S. Haldane):

 " فالكون ليس فقط يمكن ان يكون اغرب مما نعتقد، ولكن يمكن ان يكون اغرب مما يمكننا اعتقاده"، فإذا كان القرد مثلا غير مؤهل ليفهم الرياضيات او يستوعب وجودها، افلا يمكن ان تكون هناك جوانب في الكون، او الرياضيات اللازمة لفهم هذه الجوانب في الكون، بعيدة المنال كما هو الحال بالنسبة للقرد ان يفهم الرياضيات؟! ربما ليس هناك جواب نهائي بعدن لكن مثلا فان الرياضيات اللازمة لفهم نظرية الخيوط اليوم تشكل تحديا لأكبر العقول العلمية في العالم.

يمكن ايجاز المعضلة المستمرة في عالم الفيزياء النظرية اليوم كالتالي: هناك لغز مستعصي كامن في النسبية العامة وميكانيكا الكم، الفكرتان الاكثر ثورية في القرن العشرين كله. وينبع هذا اللغز من ان النسبية نظرية كلاسيكية ولكنها افضل نظرية تصف الكون، بينما نظرية الكم تطبق على عالم ما دون الذرة. وكما يقول ستانرد، فكلتا النظريتين اجتازتا بنجاح كل الاختبارات كل في مجالها، ومع ذلك فهما ما زالتا تعارضان بعضهما البعض! (كان حلم اينشتاين هو ايجاد نظرية مشتركة يستطيع من خلالها وصف كل شيء في الكون "نظرية كل شيء". وبرغم من جهود البيرت اينشتاين وبول ديراك وارثر ادنغتون وستيفن هوكنج وتلاميذهم فما زال لا يوجد هناك نظرية مقبولة للجاذبية الكمية.

 

كتاب نهاية عصر الاكتشافات العلمية يأخذنا في رحلة واضحة الى مثل هذه التساؤلات الاساسية غير المنجزة بعد، وبالرغم من انه ليس هناك معرفة جديدة في هذا الكتاب، فان الافكار فيه معروضة بشكل سلس وواضح، وهو كتاب اقرب الى نقاش فلسفي منه الى كتاب تقني فلا وجود للمعادلات فيه، و كل مسالة فيه مقدمة بشكل سؤال قصير على جانب الصفحة، على سبيل المثال: "ما هو الزمن؟" مما يسهل على القارئ تتبع الفكرة الاساسية من النقاش.

بالإضافة الى ذلك يحاول الكاتب، وفي محاولة شجاعة، وصف نظرية الخيوط "string theory" التي تتمتع بتأييد واسع في المجتمع العلمي الان بالرغم من ان نتائجها ما زالت قليلة حتى الان. ربما بعض نتائج هذه النظرية ستمكننا من القول ان الفيزياء ما زالت قادرة على اختراق حدود المعرفة.

ربما كان من الافضل ان يخوض الكاتب بشكل اعمق في المسائل الفلسفية المرتبطة بفهم اشياء كطبيعة الزمن، والمادة، والوعي، والمبدأ الانثروبي (:anthropic principleعبارة عن أطروحة تقول بأن الكون حتمي حيث تكون معادلاته وقوانينه الطبيعية مناسبة لظهور أنواع حياة ذكية، حيث أنه لو كانت الجسيمات الأولية مثل الإلكترون و البروتون ليست بصفاتها الموجودة مثل مقدار الشحنة ونوعها وكتلة كل منهما  والقوانين التي تحكمها، لكان من غير الممكن نشأة الحياة على الأرض بما فيها نشأة الإنسان نفسه، والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي بمقدوره وصف الكون ومراقبته وتحليله فيزيائياً.)

 

وفي نفس الوقت لا يناقش ستنارد قضايا مجتمعية يمكنها ان تؤثر او توقف التقدم في البحث الفيزيائي، على سبيل المثال هل حقا سيرغب المجتمع بتمويل مصادم هادرون كبير جديد، او مفاعلات اندماج عملاقة، او ارسال بشر في رحلات طويلة الى الفضاء؟! لقد اصبحت الفيزياء الاساسية وعلوم الفضاء منتشرة عالميا وهناك مئات المؤلفات والمؤلفين في العديد من البلدان، ولكن العلوم الكبيرة تكلف كثيرا أيضا، والمردود قد يكون فقط في المستقبل البعيد، هذا اذا كان هناك مردود اقتصادي من الاصل لمثل هذه الابحاث!

يتكون الكتاب من ثلاثة عشر فصلا موزعة على 237 صفحة، وهي:

العقل والوعي

خلق الكون

قوانين الطبيعة

المبدأ الأنثروبي (البشري)

حجم الكون

الحياة خارج الارض

طبيعة الفضاء

الفضاء وعلاقته بالزمن

طبيعة الزمن

فيزياء الطاقة العالية

عالم الكوانتم

الجاذبية الكوانتية ونظرية الخيوط

خاتمة وملاحظات

الخميس، 21 أغسطس 2014

الثقوب البيضاء..!



لعقود طويلة، كان علماء الفيزياء الكونية حائرون فيما اذا كانت الثقوب السوداء تدمر المعلومات التي تبتلعها ام لا، أي فيما اذا كانت المواد التي يبتلعها تختفي  بشكل نهائي الى الابد! لكن  هناك الان نموذج جديد يقول بأنه في نهاية حياة الثقوب السوداء فإنها تتحول الى "ثقوب بيضاء" أي انها تنفجر وتنفث كل المواد التي ابتلعتها منذ تكونها الى الفضاء.

وحسب النموذج الجديد، الذي طوره كل من كارلو روفيللي (Carlo Rovelli) وهال هاغارد (Hal Haggard) من جامعة ايكس مارسيليا (Aix-Marseille University) في فرنسا، فان التحول من الثقوب السوداء الى الثقوب البيضاء يبدأ مباشرة بعد بدئ تشكل الثقب الأسود، ويعتمد نموذجهم على نظرية تدعى "الجاذبية المية الحلقية" (loop quantum gravity) حيث تكمم الجاذبية والزمكان (زمان-مكان)، ويتم نسجها من حلقات منفردة صغيرة جدا لا يمكن تجزئتها الى حلقات اصغر ابدا.

وعندما ينهار النجم تحت وطأة جاذبيته (ويتحول الى ثقب اسود) فانه يحاط بحد يسمى "افق الحدث"، وهي نقطة اللا عودة، حيث لا شي يمكن ان يفلت من هناك، ويتابع النجم انكماشه، ولكنه يصل الى مرحلة لا يمكنه ان يتقلص اكثر  لان الحلقات لا يمكن ان تنضغط اكثر من ذلك.

وفي هذه النقطة، تقوم هذه الحلقات بالضغط الى الخارج ويسمى هذا الضغط "الارتداد الكوانتي/الكمي" حيث يقوم بتحويل الثقب الاسود الى ثقب أبيض، وحسب التقديرات التقريبية  التي قام بها الفريق، فان هذا التحول من ثقب اسود الى ثقب ابيض يأخذ جزء من الالف من الثانية فقط! وبالرغم من ان هذه التحول يكون لحظيا إلا ان الباحثون يقولون بان الثقوب السوداء تبقى ظاهرة لنا لملايين او مليارات السنين لان جاذبيتها تمغط وتمدد موجات الضوء.

واذا كان هذا هو الحال، فبدل ان يغلف الثقب الاسود بأفق حدث حقيقي خارجي، فان الثقب الاسود يحجب بواسطة "افق ظاهري" مؤقت. حيث ان افق الحدث الحقيقي قد يتعارض مع قوانين الفيزياء العروفة.

في بداية السبعينيات، قام عالم الفيزياء الشهير ستيفين هوكينج (Stephen Hawking) من جامعة كامبرج بحسابات تشير الى ان الثقب الاسود يجب ان يبث اشعاعات خارج افق الحدث الخاص به، حيث يفقد طاقته وينكمش تدريجيا الى ان يتلاشى نهائيا، لكن هذا يعني ان المعلومات المحملة في المادة والتي تسقط في الثقب الاسود تختفي للأبد، حيث انه ليس هناك هرب من القب الاسود في النظرية الكلاسيكية، لكن النظرية الكوانتية (quantum theory) الحديثة تسمح للطاقة والمعلومات من الهرب كما عبر عن ذلك هوكينج، أي ان هوكينج الان ينفي وجود افق الحدث للثقب الاسود كما كان الفيزيائيون يعتقدون لعشرات السنين.

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

ماذا يوجد في مراكز الثقوب السوداء؟


تنتج الثقوب السوداء من انهيار النجوم العملاقة، فهي عبارة عن "آبار" تخترق نسيج الكون في الزمكان (space-time) وهي عميقة لدرجة ان لا شيء، حتى الضوء، يمكن ان يفلت منها. فالثقب الاسود عبارة عن نجم كبير ميت، انهار بسبب نفاذ الطاقة/الوقود الذي يغذي التفاعلات النووية فيه. والذي يحدث هو ان الذرة تنهار على نفسها فتلغي كل الفراغ فيها لتصبح مادة خالصة، ولأن %99.9999… من الذرة عبارة عن فراغ يصبح الحجم صغير جدا مع الحفاظ على نفس الكتلة، يمكنك تخيل طابة تنس ولكن وزنها كوزن الكرة الأرضية!)

أما مركز الثقب الاسود فيطلق عليه الفيزيائيون "قلب الحدث" (singularity) وهي نقطة بحيّز صغير بشكل لا نهائي تتركز فيها كمية هائلة جدا من الطاقة. ونظريا، تصبح هذه النقطة شيئا كبيرا بشكل شبه لانهائي. وتقنيا، هذا "الشيء" هو عبارة عن انحناء الفضاء، او اشتداد الجاذبية الذي يلاحظه العلماء عند وجود كتل عملاقة جدا كالكواكب والنجوم. (يقسم العلماء الثقب الاسود الى جزئين: افق الحدث (event horizon) وقلب الحدث، حيث ان اي شيء يمر في افق الحدث يتم سحبه الى قلب الحدث حيث يسحق هناك تماما)


وتماما كما تنغمس صفيحة مشدودة من المطاط عند وضع كرة حديدة عليها، فان الاجرام العملاقة تسبب انحناء في الزمكان حولها. وكلما كان حجم الجرم اكبر كان الانحناء اكثر حدة. ( أول من صاغ هذه النظرية نظريا هو أينشتاين، وحسب النظرية النسبية العامة فإن الجاذبية تقوس الفضاء الذي يسير فيه الضوء بشكل مستقيم، مما يعني أن الضوء يتأثر وينحرف تحت تأثير الجاذبية، أما الثقب الأسود فإنه يقوس الفضاء إلى حد انه يمتص الضوء الذي يمر بجانبه بفعل جاذبيته، ولا يمكن لأي موجة أو جسيم الافلات من منطقة تأثيره فيبدو أسود، لذلك تبدو الثقوب السوداء عبارة عن حفرة مظلمة في منطقة ما من المكان والزمان وهي ذو كثافة عظيمة وتأثير جذبي هائل)

ولا يوجد مكان اكثر تأثيرا لعمل انحناء اكثر من الثقوب السوداء، حيث ان مراكز الثقوب السوداء تشكل منحنى انحنائي لانهائي. شيء يشبه ثقب|هاوية بلا قاع في صفيحة مطاط، بحيث تصبح القوة اكبر واكبر كلما غاصت الاجسام في عمق الثقب|الهاوية.

فالجزيئات والمواد تنضغط حول المركز، ولأن المادة تنهار داخل الثقب الأسود، تصبح كثافتها كبيرة بشكل لانهائي لأنها يجب ان تتموضع داخل نقطة حجمها صغير جدا لدرجة انه ليس لها ابعاد.


ولكن بعض العلماء مازالوا يتجادلون حول ما اذا كانت المعادلات النظرية التي تصف الثقوب السوداء صحيحة ام لا، بمعنى فيما اذا كانت موجودة في الواقع ام لا، وليس فقط بشكل نظري.
لا احد يمكنه ان يتأكد فيما اذا كانت نقطة قلب الحدث لا تعبر عن حقيقة واقعية فعلا، بالرغم من ان معظم العلماء سيقولون بان نقطة قلب الحدث كما يعبر عنها من خلال المعادلات غير موجودة فعليا. ولكن لو ان نقطة التفرد موجودة فعليا، فان كثافة      الطاقة  فيها ستكون كبيرة بشكل لا نهائي، وستكون هي نفسها مركز الثقب الاسود.

في جميع الأحوال، لا احد يمكنه ان اكد او ينفي ذلك، بسبب عدم وجود نظرية كوانتية للجاذبية مكتملة حتى الآن، وفي نفس الوقت يستحيل تقنيا ملاحظة او مشاهدة داخل الثقب الاسود.